الجمعة، ١٤ مارس ٢٠٠٨

نصف العاطلين من المتعلمين

محسن المزليني
هل أصبح تعليمنا مؤسسة لتخريج العاطلين؟ وأين هي الإجراءات الحقيقية لمعالجة هذا الخلل الفادح، إن وُجدت الرغبة أصلا في معالجته؟ ذلك ما يطرحه العديد من المراقبين بعد أن توالت التقارير المنبهة إلى خطورة التحديات التي تعترض النظام التعليمي التونسي. فعلى غرار تقرير الأمم المتحدة الصادر أواخر السنة المنقضية، نبّه تقرير جديد صدر عن البنك الدولي أوّل شهر فيفري الجاري إلى الحيرة التي يبعث عليها وضع التعليم في تونس، خاصّة بعد الفشل المسجل في تحقيق أهداف عملية تنموية غير متحكّم في مفاصلها. لقد أشار التقرير الصّادر بعنوان "الطريق غير السالك: الإصلاح التعليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" إلى الفجوة الكبيرة بين ما ينتجه النظام التعليمي وبين ما تحتاجه البلاد لتحقيق الأهداف التنموية الحالية والمستقبلية.
أرقام محيرة
لا شكّ أنّ الأرقام التي أصدرها التقرير لا تحتاج إلى خطب أو بلاغات دعائية دأب عليها الكثير من المسؤولين كلما تعلّق الأمر بمعطيات تختلف عن المعطيات الرسمية. فقد أشار التقرير إلى أنّ نسبة العاطلين عن العمل ممن لا يقل تعليمهم عن مستوى الثانوي بلغت 42.5 بالمائة، وهي نسبة احتلت بها بلادنا مرتبة ثالثة على المستوى العربي، بعد كل من مصر بـ80 بالمائة والبحرين 59 بالمائة والأردن 43.6 بالمائة. وإذا كان البعض سيجادل بأن ذلك يُعدّ دليلا على انتشار التعليم،إلاّ أنّ ذلك لا يمكن أن يحجب الكثير من التساؤلات حول نوعية التعليم ومدى نجاحه في استيعاب عطالة الخريجين. وهي عطالةأشارت إليها عديد الإحصائيات المحلية، رغم الإختلالات المنهجية في طرق الإحصاء و المقاييس المعتمدة، كما يشير إلى ذلك الخبير الإقتصادي الدولي عزام محجوب. وأضاف أنّ عدد العاطلين من ذوي الشهائد العليا تطوّر حسب المسح الميداني الذي تقوم به وزارة التشغيل من 6.500 شاب سنة 1994 إلى 66.000 سنة 2005، أي أنّ النسبة قد تضاعفت عشر مرات. وبذلك تغيرت نسبتهم من 1.6 بالمائة من مجموع العاطلين إلى 13.6 بالمائة. وهو ما يشير إلى تطور مطرد حسب الدكتورعزام دائما. غير أنّ هذه الأرقام الجملية تصمت عن التفاوت بين الجهات في هذا الخصوص، إذ لا تحصي نسب العاطلين من أصحاب الشهائد العليا والتي تدلّ عديد المؤشرات إلى ارتفاعها في كثير من الجهات المحرومة، مثلها مثل النسبة الكلية للبطالة التي أشارت نتائج التعداد السكاني لسنة 2004 أنّها تجاوزت في بعض المناطق المعدل العام للبطالة، على غرار الحال في قفصة والقصرين (21 بالمائة في قفصة وجندوبة والقصرين وزغوان، في حين بلغت النسبة الوطنية 13.9 بالمائة). وقياسا على ذلك يعتبر محجوب أنّها ستكون على نفس الشاكلة من التفاوت.
أمّا عن الأسباب فيرى أنّ أهمها هيكلي ويتعلّق بعدم التطابق بين الكفاءات المتخرجة من الجامعات والمعروض في سوق الشغل، بعد أن ضمرت قدرة القطاع العام عن استيعابهم جراء تغير سياسات الدولة الإقتصادية، إضافة إلى عجز القطاع الخاص عن القيام بهذا الدور نظرا إلى غلبة المؤسسات الصغرى والعائلية، وهو ما حد من قدرتها على استيعاب الكفاءات العليا، واكتفائها بتكوين عملة مختصين. واعتمادا على تقارير البنك الدولي، أكد عزام على المفارقة بين التطلعات الكبيرة للشباب المتخرّج وتجربته الصغيرة في ميدان العمل. وبناء على ذلك يرى أنّ التركيز لابد أن يتم على قضية التصويب ciblage أي تحديد التخصص الذي تحتاج إليه الظرفية الإقتصادية، إضافة إلى تقييم جدوى وفعالية البرامج لتطوير مشاريع قابلة للصمود والبقاء.
الوجه الآخر للبطالة
لا شك أنّ الأرقام مهمة لدراسة الظواهر، غير أنّ مسألة البطالة تحتاج إلى زاوية أخرى لتأثيث المشهد. فإذا كان التعريف المؤسساتي (معهد الإحصاء) للعاطلين عن العمل يحددهم بأنّهم "أولئك الذين لم يشتغلوا في الأسبوع السابق للإحصاء وهم في حالة بحث عن شغل. وينقسم هؤلاء إلى فئتين: فئة الأشخاص الناشطين الذين لا يشتغلون من 18 إلى 59 سنة وهم العاطلون. وفئة الأشخاص الناشطين الذين لا يشتغلون من15 إلى 17 سنة ومن 60 سنة فما فوق هي فئات أخرى غير ناشطة"
إلا أنّ هذا التعريف الجاف لا يشير إلى البعد الإنساني والإجتماعي لهذه الظاهرة وكيفية تدبير هذه الفئة لعيشها اليومي. إنّه عالم البطالة والإستقالة بكل خيباته وطموحاته، آماله وآلامه. باختصار فإنّ البطالة لم تعد مجرّد تجربة لشكل من الإقصاء، إنما هي كذلك مختبر اجتماعي تتجاذبه نزعات معقدة فيها الكثير من التجريب و"تدبير الراس".
مجدي شاب حاصل على أستاذية في علم الإجتماع، عاطل عن العمل، وإن كان يفضل نعت نفسه بالمعطّل. عطالة مستمرة طيلة خمس عجاف، كما قال، رسّبت في نفسه شعور بالإحباط ليس متأكّدا من قرب الخروج منه، خاصّة وأنّه خريج شعبة لا تعترف بها الدولة في مناظراتها وكأنّها ليست وزارة التعليم من جعلتها اختصاصا يُدرّس. إنّها شعبة فخّ كما يقول فهي منذ إنشائها بإنشاء الجامعة التونسية لم تعترف لها السلطة بالوجود إذ لم توفّر لها قانونا أساسيا يحدد مآل خريجيها. كما أنّه لا يمتلك مفاتيح دخول عالم الشغل لأنّه لا يملك أكتاف سمان أو مالا يفتح الأبواب.
أمّا عن يومياته فتفاصيلها قليلة. يبدأ يومه مع زوال الشمس عن كبد السماء. "الزمن بالساعات لا يعنيني كثيرا" قال مجدي. فالمقهى هو قاهر الزمن، متسائلا عن معنى الأمل وهو يطلب كلّ يوم من الوالدة بعضا من دريهمات تقتطعها من مصروف العائلة لتحافظ على "القدرة الشرائية" لابنها الأستاذ الذي أفنت جزءا كبيرا من جهدها ووقتها من أجل أن يتخرّج، قبل أن يتحوّل نجاحه حسرات عليه. وبمرارة يضيف "لعلنا من البلدان القليلة التي لا يقيم الناجح فيها وزنا لنجاحه، بل قد يكون مثار سخرية من اختار الإنقطاع باكرا، فاكتسب صنعة أو ابتكر طريقة تجلب له رزقا. إذ لم يعد الرزق مرتبطا بالنجاح في الدراسة. وتساءل أبهذا المصير نعطي المثال للتلاميذ الصّغار؟

الجمعة، ٧ مارس ٢٠٠٨

اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائد لمعطّلين عن العمل بقفصة


قفصة في 05/03/2008
بيــــــــان
يمرّ اليوم شهران على إنطلاق الإحتجاجات بمنطقة الحوض المنجمي بقفصة دفاعا عن حقّ الشغل وعن تنمية عادلة،وإن إنطلقت التحرّكات يوم 05 جانفي 2008 كردّ فعل فوريّ على إعلان النتائج النهائية بمناظرة شركة فسفاط قفصة أُتهمت بعدم العدالة والشفافية، فإنها إتّخذت مع الأيام بعدا مكثّفا تركّز على رفض الوضع التشغيلي والإجتماعي برمّته على خلفيّة واقع مأزوم زادته السنوات الأخيرة تدهورا وتخلّفا في ظلّ مزيد تركيزالخيارات النيوليبراليّة المتوحّشة.
وإن عرفت الاحتجاجات مشاركة شعبية واسعة ساهمت فيها أغلب الفئات والقطاعات فإنّ ركيزتها الأساسية كانت أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل الذين ما إنفكّوا منذ سنوات يتأطرون في هياكل خاصّة بهم ويتجنّدون للدفاع عن حقّهم في الشغل القارّ والعمومي، عبر خوض شتّى أشكال النضال المدنية والسلمية، وليس غريبا أن يمثلوا عماد ما يتواصل من تحرّكات في مقرّي الاتحاد المحلّي للشغل بالرديف وأم العرائس عبر الإعتصام المفتوح ورفضهم لرزمة المقترحات الهشّة.
وإننا في اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائد المعطّلين عن العمل بقفصة إذ نساند التحرّكات المذكورة ونشدّد على مشروعيتها فإننا ندعو سلط الإشراف الكفّ عن الحلول الدعائية ومعالجة ملفّ التشغيل بكلّ جدّية ومسؤولية، كما يهمّنا أن:

1) ندعو كلّ مكوّنات المجتمع المدني إلى مزيد الإنصات لإحتجاجات أهـالي الحوض المنجميّ وتفعيل أشكال التضامن معهم بعيدا عن النظر إلى كون تحرّكاتهم جهويّة أو إنها في طور الإنفضاض.
2) ندعو الإتحاد الجهوي للشغل بقفصة والمركزيّة النقابية وكافّة النقابيين للتدخل لفائدة المعطّلين الذين باتت إحتجاجاتهم تتركّز في الاتحاد المحلّي للشغل بالرديف وأم العرائس، وتفعيل التضامن معهم، ليس فقط من موقع تحمّل المسؤولية الاجتماعية، ولكن لإعتبار أنّ المعتصمين يمثّلون مستقبل العمل النقابي.
3) نحذّر من التلويح بالحلّ الأمني ونعتبره قاصرا على معالجة أزمة لها من العمق والإتساع الشأن الكبير.

اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائد لمعطّلين عن العمل بقفصة
المنسّق العام
عفاف بالنّاصــر

الأربعاء، ٥ مارس ٢٠٠٨

عبيد البريكي الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل في حديث حول المفاوضات الاجتماع

الحياة الوطنية

تونس ـ الصباح:

يستعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل لخوض جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية في القطاعين الخاص والعام وفي الوظيفة العمومية بمساهمة كل الأقسام المعنية سواء بشكل مباشر عبر خوضها فعليا أو بصيغ غير مباشرة عبر الإعداد لها بالدراسات والتثقيف ومن أجل مزيد تسليط الأضواء على هذه المرحلة اتصلنا بالسيد عبيد البريكي الأمين العام المساعد المسؤول عن التكوين النقابي والتثقيف العمالي لنطرح عليه الأسئلة التالية:

* يستعد الاتحاد العام التونسي للشغل لجولة جديدة من المفاوضات، فكيف كان دور قسم التكوين في ذلك؟

- في إطار التكامل بين أقسام المنظمة من أجل إحكام المفاوضات وتمكين المفاوضين من المعطيات والمعارف الأساسية، بقصد توفير الشروط الدنيا لنجاحها ارتأى قسم التكوين النقابي والتثقيف العمالي تنظيم ثلاثة دورات تكوينية استهدفت الأولى جزءا هاما من المفاوضين في القطاع الخاص وشملت الثانية وفود التفاوض في الوظيفة العمومية وستتعلق الثالثة بالوفود المفاوضة في المؤسسات العمومية.

* لماذا هذا الحرص على أن يشمل التكوين كافة الوفود التفاوضية؟

- أعدّ الاتحاد عبر قسم الدراسات والتوثيق والتشريع والنزاعات والوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية جملة من المعطيات الهامة المتصلة بمحاور التفاوض سواء تعلق الأمر بالمقدرة الشرائية أو بتشريعات العمل وهي معطيات تظل على أهميتها منقوصة الجدوى ما لم تصل إلى المفاوضين لمناقشتها واستيعابها قصد استغلالها في التفاوض: حلقة أساسية حاول قسم التكوين إنجازها بالتنسيق مع الأقسام المعنية مباشرة بالتفاوض: فاستيعاب المحاور وفهم الواقع المحيط بنا ومناقشة المطروح مهام حتمية لتيسير مهمة المفاوض، بالإضافة إلى حاجة النقابي لاكتساب القدرة على المحاججة والجدل وهضم أهم المتغيرات في العالم وفي البلاد ليجيد التعامل معها.

* ما هي القضايا التي تمّ التركيز عليها في العملية التكوينية؟

- في المسار التكويني محوران هامان يتعلق الأول بالأوضاع الاقتصادية والمالية ويتّصل الثاني بالقضايا المرتبطة بقانون العمل.

* هل هي نفس المحاور بالنسبة إلى القطاعات الثلاثة؟

- طبعا لا، لأن لكل قطاع خصوصياته رغم القواسم المشتركة المتصلة بالمؤشرات المالية.

في القطاع الخاص تم التركيز على تطور الزيادات القطاعية من خلال وثيقة منهجية أعدّها قسم الدراسات والتوثيق واستعنّا إلى جانب ذلك بخبيرين، بالاتفاق معهما، اضطلع أحدهما باستعراض العوامل التي تعكس صعوبة الأوضاع المالية وتولى الثاني عملية استعراض أهم المؤشرات المؤثّرة إيجابا في التفاوض، أما في المسائل التشريعية فقد ركّز الأستاذان المتدخلان على تبسيط المقترحات التي تقدم بها الاتحاد العام التونسي للشغل مركزيا وقطاعيا من أجل مراجعة الاتفاقية الإطارية المشتركة والاتفاقيات القطاعية، فكانت عملية هامة ومجدية تجلّت من خلال تقييمات المشاركين في الندوة التكوينية.

* هل اتخذت ندوة الوظيفة العمومية نفس المنحى؟

- من حيث جوهر التكوين في البعدين المالي والتشريعي، نعم، ولكن إذا خصّصنا فإن محاور التكوين اختلفت عن الدورة الأولى حيث انحصرت المداخلات المالية في المسائل التالية في:

1) تقييم سياسة الأجور في تونس من الستينات إلى اليوم من أجل البحث في نجاعتها وفي علاقتها بالاقتصاد المحمي خلال الستينات والسبعينات وبواقعها في التسعينات مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة المخضرمة ونقصد الثمانينات وكانت مداخلة وقف من خلالها المشاركون على نوعية علاقة سياسة الأجور بالأوضاع الاقتصادية من جهة وبطبيعة الإرادة السياسية من جهة أخرى كل ذلك في علاقة بالسياسة الاجتماعية المنتهجة.

2) المالية العمومية في تونس: الواقع والآفاق، وهي المداخلة التي تعمقت في تشريح موارد المالية العمومية في مراحل سابقة، وأوضاعها في المرحلة الحالية ارتباطا بالتغيرات التي يشهدها الاقتصاد، فضلا عن التعريج على الصعوبات التي تعيشها في صلة بالاقتصاد الدولي باعتبار أن مرحلة العولمة دفعت نحو خيارات أساسية تقوم على التصدير، الخيار الذي يجعل نماء الاقتصاد رهين الاستقرار الدولي وهو ما لن يحصل في ظل سياسة خلق مواطن التوتّر التي تنتهجها أمريكا: في الخليج، في ايران، في أمريكا اللاتينية، إفريقيا، آسيا... من أجل إحكام السيطرة على العالم والتحكم فيه.

3) أهم المؤشرات المالية: شملت قراءة علمية لكافة المؤشرات: النمو، التضخم، التداين الخارجي... والتي باعتبارها مؤشرات رسمية مكّنت المشاركين في الندوة من الوقوف على أهمية الموارد البشرية في صنع الثروة وأكّدت على أن نسب النموّ كانت في تاريخ تونس مستقرّة، ولم تشهد تراجعا إلا خلال انعدام الحوار الاجتماعي نتيجة ضرب الطرف الرئيسي في المعادلة: الاتحاد العام التونسي للشغل، بل إن إنتاجية العمل شهدت تحسّنا خلال الزيادات الدورية في الأجور التي حسب معطيات علمية قدّمها الأساتذة المتدخلون، أدّت في الغالب إلى تعديل القدرة الشرائية ولم تُحسِّنْها إلا في بعض القطاعات القليلة باعتبار أن المفاوضات استشرافية وليست لاحقة، وهو ما اعتمده الخبراء للتأكيد على أهمية الدورة المقبلة من المفاوضات في ضوء التطورات الاقتصادية العالمية التي ستؤثّر ضرورة على غلاء الأسعار في البلاد.

* وبالنسبة إلى قانون العمل وتشريعات الشغل؟

- إذا تعلقت المسألة بملاءمة الاتفاقية 135 وبأشكال العمل في القطاع الخاص فإن قطب الرّحى في مفاوضات الوظيفة العمومية كان الحق النقابي لأسباب عديدة أهمّها:

أ- أن كافة البلاغات المشتركة المؤطرة للمفاوضات تضمنت التنصيص على إنهاء المفاوضات في الحق النقابي غير أن المسائل ظلّت عالقة إلى اليوم مما أثّر سلبا على العلاقات بين الأطراف في بعض القطاعات.

ب- أن مسألة الحق النقابي في التشريع التونسي محسومة نظريا والإقرار به صريح في الدستور وفي القانون العام للوظيفة العمومية وفي مجلة الشغل التي حوّلها القانون العام إلى مرجع تشريعي عند الإحالة عليها، وتبعا لذلك فإن المسألة تتعلق بالتنظيم الصريح، تنظيما أصبح ضرورة ملحة لأن تعقد الأوضاع يجب أن يقترن بحوار منظم تتّفق على آلياته الأطراف، وانعدامه يوتّر العلاقات بشكل دائم ويؤثر على عطاء الأجراء. إن في تنظيم الحق النقابي في الوظيفة العمومية تجسيما لمحتويات الاتفاقيات 87 و98 وخاصة 135 التي صادقت عليها تونس دون تحفظات مسبقة.

* كيف إذا سيتم التعامل مع مسألة الحق النقابي ومع مسائل أخرى عالقة في ظل هذه الجولة من المفاوضات؟

- أعتقد يقينا أن الشرط الأساسي لإنجاح مفاوضات جماعية هو توفير مناخ ملائم لذلك، حيث أن كل عوامل التوتر على أرض الواقع قد تلقي بظلالها على مسار التفاوض حتى ولو كانت جزئية في ظاهرها فإن تركها معلّقة لا يساعد على حوار بنّاء جدّي ومسؤول وهو المعطى الذي يقتضي الحسم في مسألة الحق النقابي والبنود المعلّقة في ظل الوعي المشترك بأهمية تنظيم الحوار، بالإضافة إلى ضرورة فضّ الإشكالات القطاعية القائمة التي لم تجد بعد طريقها إلى الحلّ تجسيما لأهمية التشاور والحوار في ظل تعقّد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العالمية والمحلية ويظلّ التغافل عن حلّها سبيلا يؤثّر في المناخ العام ويلقي عليه بظلاله.

إن التعامل الإيجابي مع مسألة المطرودين الثلاثة في التعليم الثانوي وتسوية وضعية بعض الموضوعين على الذمة وتطبيق القانون في معالجة أوضاع بعض المديرين والمتربصين في التعليم الأساسي ومسائل جزئية في قطاع الصحة والتحاور مع الهيكل الممثل للاتحاد العام التونسي للشغل في التعليم العالي، هو خيار يعبّد الطريق نحو ضمان أرضية مفاوضات ناجحة تضمن الارتياح لدى الجميع.

إن الأوضاع العالمية التي تتعقّد يوما بعد يوم تستوجب الارتقاء بالحوار وتنويع قنواته وكل محاولات التقليص منه أو تهميشه عن وعي أو عن غير وعي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصادم المعلن أو المرجأ وثاني مظاهر التوتر يظل الأخطر.

أليس من الأفضل أن تنسجم ممارسات بعض الإدارات المركزية في وزارتي التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي مع الخطوة الهامة المتمثلة في قرار التصديق على الاتفاقية 135 المتعلقة بحماية المسؤول النقابي، رغم الإشكالات حول مسألة الملاءمة. أليس من باب التضارب أن يصادق رئيس الدولة على الاتفاقية المعنية من أجل التكريس الفعلي للاحترام المتبادل بين ممثلي الأطراف الاجتماعيين بينما تتعمّد الإدارة تهميش دور النقابات في التعليم العالي وتحاور آخرين لا علاقة لهم بالتمثيل النقابي وتستمرّ وزارة التربية والتكوين في عدم احترام بعض الاتفاقيات حول مقاييس الانتداب في التعليم الأساسي وتتمسّك بإعفاء مدرسين معاونين بحجة "حرية التعاقد" إن قرارا بإرجاع المطرودين وتطبيق الاتفاقيات الممضاة بين نقابات التعليم ووزارة التربية والتكوين واحترام التمثيل النقابي في المؤسسات الجامعية، يظل قرارا هاما قد يسهم بشكل فعال في التأسيس لمناخ تفاوضي مريح مجد وبناء ولا أعتقده مستحيلا في ظل هذا الوضع الدولي المتأزم والمرشّح لمزيد التأزّم، وفي ظلّ الوعي المشترك بأن الخيار الأفضل هو احترام قنوات الحوار وتطويرها.

* وعن آفاق المفاوضات ونتائجها؟

- المفاوضات ستخاض في ظل ارتفاع غير عادي للأسعار مسّ مواد الاستهلاك الأساسية وهو ما يستدعي توفّر إرادة تحسين المقدرة الشرائية للأجراء بشكل يعكس الإيمان بدور الموارد البشرية في صنع الثروة ويضمن في اللحظة ذاتها توفّر القدرة على الاستهلاك من أجل انعاش حركة الاقتصاد وضمان نسب نموّ تسهم في خلق مواطن عمل جديدة في ظل الطلبات الإضافية المتزايدة للشغل.

إن اقتصادا يتوجّه نحو التصدير ولا يولي أهمية للطلب الداخلي عبر دعم القدرة على الاستهلاك من خلال زيادة محترمة في الأجور يظل إقتصادا رهين ما يحدث في العالم ويتأثر سلبا بكافة التوترات الدولية.

أما عن الجانب القانوني، فقد آن الأوان في التعامل بمصداقية بين الأطراف إلى ملاءمة محتوى الاتفاقيات الدولية والدستور والقانون العام للوظيفة العمومية مع الواقع فضلا عن ضرورة مراجعة الأشكال الشغلية السائدة والقائمة على التشغيل الهشّ الذي ثبت عالميا عدم جدواه إذ أن تحسين المردود كمّا وكيفا لا يمرّ عبر العمل الوقتي والمؤسسات الطفيلية التي استغلت الفصول 28-29-30 في مجلة الشغل لتنتصب وبشكل غير قانوني جوهره المتاجرة بقوة العمل التي يحرّمها التشريع التونسي.

إن تحسين المردود رهين الارتقاء بقدرات العمال عبر برامج مستمرة للتكوين المهني والمستمرّ مقترنة بعوامل تحفيز وترقية، وعبربتوفير محيط سليم وملائم وقنوات حوار نقابي دائم داخل المؤسسات بعيدا عن حوار الصم والتعنّت وخرق القوانين وضرب النقابات وخلق بؤر توتّر مستمر.

حاوره: علي الزايدي

دار الصباح - شارع 7 نوفمبر 1987 - 1004 المنزه | الهاتف : 71.717.222 | الفاكس : 71.723.361 | البريد الالكتروني assabah@gnet.tn

الأحد، ٢ مارس ٢٠٠٨

إضراب الجوع وبعد


دخل الأساتذة الثلاثة المطرودون عمدا من العمل وهم على التوالي علي الجلولي ومعز الزغلامي ومحمد المومني في إضراب عن الطعام دام أربعين يوما تقريبا من 20 نوفمبر 2007 إلى غاية 28 ديسمبر 2007.وقد صاحب إضراب الجوع هذا حركية لم يشهدها القطاع ولا الاتحاد العام التونسي للشغل منذ مدة طويلة وكان مقر النقابة العامة أين وقع الإضراب قبلة النقابيين والمناضلين من كل ألوان الطيف النقابي والسياسي.وكان مقر المضربين عبارة على خلية نحل خاصة لما قضى الإخوة أكثر من عشرين يوم في إضرابهم عن الطعام متمسكين بحقهم الشرعي في الرجوع إلى العمل .وتعددت إشكال النضال في تلك الفترة من تجمعات واجتماعات وإضرابات من اجل الدفاع عن قضية المطرودين العادلة والمشروعة والتي رأى فيها قطاع التعليم الثانوي ضربا لحرية العمل النقابي وضربا لحق الشغل في نفس الوقت وهو استهداف القصد منه ضرب الحق النقابي . وعلى اثر وعود تلقتها البيروقراطية النقابية من السلطة تكثفت وتنوعت الضغوطات على المضربين منم اجل حل الإضراب . وهو الذي تم بالفعل عشية 28 ديسمبر2007 وكنت من بين الذين لم يقتنعوا بفك الإضراب بتلك الطريقة على الأقل لأنني كنت متأكدا من أن الوعود وحدها لا تكفي فالسلطة قد سبق لها أن تراجعت على اتفاقيات في العديد من المناسبات وحبرها لم يجف بعد . وهكذا تم فك الإضراب على أن ينجز القطاع إضرابا بيوم تحدده سلطات القرار فيما بعد وعلى أساس متابعة قضية الإخوة المطرودين عمدا . إلا أن الرياح تجري بما لا يشتهيه المطرودون عمدا فتقرر الإضراب بيومين يومي 16 و17 جانفي 2008 بعد ضغط كبير من القواعد العريضة والمناضلين النقابين ورغم النسبة المحتشمة لنجاح الإضراب فان اغلب الشرفاء في القطاع التزموا بالوقوف إلى جانب زملائهم المطرودين علما وإنهم لم يكونوا على اقتناع تام بجدوى إضراب اليومين وما يصاحبه من انعكاس مادي ومعنوي على القاعدة الأستاذية , هذا بالى جانب اللائحة المهنية التي صدرت عن آخر هيئة إدارية والتي لم تتضمن المطالب الأساسية لكافة الأساتذة : كالقانون الأساسي الذي لم ير النور بعد طيلة عقود طويلة وكذلك التدهور الخطير للمقدرة الشرائية للأساتذة باعتبار الالتهاب المفرط للأسعار فأصبحت الزيادة الهزيلة أصلا في منحة التكاليف البيداغوجية لم تعد تغطي الأدنى الضروري لمستلزمات الأستاذ في نشاطه العلمي والبيداغوجي على حد سواء. ويجوز لنا أن نتساءل عن جدوى إضراب اليومين ومدى استجابة اللائحة المهنية بالى أوسع القواعد الأستاذية مما يثير شكوكا بان في هذا الإضراب غاية ضمنية تستهدف أولا وضع ملف المطرودين في العتمة تحت ذريعة استحالة تحقيق مطلب العودة وتخلي المكتب التنفيذي عن هذه القضية استجابة لرغبة أطراف نقابية رأت في الإضراب عملا سياسيا لا يمكن للاتحاد أن يتبناه خدمة لمصالحها البيروقراطية الضيقة ومحاصرة منها لتفعيل المد النقابي داخل اطر المنظمة النقابية. وهنا يتأكد للقاصي والداني حجم الضغوطات المهول الذي نزل على الأخوة المطرودين عشية 28 ديسمبر من اجل فك الإضراب . فهل كان المكتب التنفيذي وأعضاء النقابة العامة وهم يتدبرون طريقة حل الإضراب مدركين بكل وضوح ما بعد الإضراب ؟ فلماذا لم يكلفوا أنفسهم العناء اللازم كما كان عشية حل الإضراب حتى يجدوا الحل اللازم لقضية المطرودين الثلاثة ؟ لماذا لم نكرم المضربين الثلاثة وهم يضحون بصحتهم وقد شرفوا الحركة النقابية بوعيهم التقدمي وبموقفهم النضالي وبصمودهم البطولي
طيلة أربعين يوما وقد وضعوا قضية التشغيل في إطارها الصحيح كقضية وطنية لا يمكن للاتحاد العام التونسي للشغل ألا أن يكون في طليعة القوى المتبنية لها ؟ فالمطلوب من القطاع ومن المكتب التنفيذي آن يتمسكا بقضية الإخوة المطرودين عمدا وهي ليست مزية ولا منة منهم أولا لأنها قضية عادلة وثانيا لان شرط وجودها مؤسس من اجل الدفاع عن الشغل والشغالين وثالثا وأخيرا لأنها قضية في جوهرها تمس مباشرة حرية العمل النقابي .
النفطي حولة :1 مارس 2008