الأحد، ١٧ فبراير ٢٠٠٨

الي متى يتواصل الظلم

جريدة الشعـــــــــب 9 فيفري 2008


ما ضرّ وزارة التربية والتكوين لو أرجعت «محمد وعلي ومعز» الى سالف عملهم...
التحولات الاقتصادية وانخراط تونس السريع في الرأسمالية العالمية ساهم سلبا في واقع التشغيل والبطالة فانسدت الآفاق اكثر من ذي قبل امام الشباب وارتفعت بطالة اصحاب الشهائد امام ندرة مواطن الشغل وصعوبة المسالك المؤدية اليها. هذا الواقع الجديد دفع شبابنا الى ردود فعل متفاوتة الحدّة فمنهم من اعياه الجري وراء المناظرات فسلم امره لله يائسا اوراجيا شغلا قد يأتي وقد لا يأتي ومنهم من اختار مكرها الهجرة السرية عبر قوافل «قوارب الموت» مخاطرا بحياته ومنهم فئة اصرت على التمسك بحقها في الشغل وهي اليوم تحرج الحكومة بتحرّكاتها الاحتجاجية المختلفة.

هذه التحركات الاحتجاجية فردية كانت او جماعية منظمة او عشوائية، هي تحركات تلقائية ضد عوامل الاقصاء والتهميش وإذا اضفنا اليها الانتشار الواسع للطرد المقنن والطرد التعسفي تصبح العلاقات الشغلية والبحث عن الشغل عملية معقدة وصعبة وفي غير صالح الشباب والعمال. هذا الواقع نعيشه ونلمسه كل يوم ونعرف مصدره ولا نخفي سرا اذا قلنا ان ذلك كان منتظرا ولم يفاجئنا، فالعولمة اينما حلت حل معها كابوس التشغيل اما غير المنتظر فهو ان تتسلل رياح العولمة الى داخل وزارتناالموقرة وزارة التربية والتكوين هذه المؤسسة التي ننظر اليها جميعا «بالعين الكبيرة»، هذه الوزارة التي اضطلعت وتضطلع منذ كان على رأسها الاستاذ الكبير محمود المسعدي بمهام نبيلة ومهمات عظيمة عمّت خيراتها البلاد كافة، وتتحمل المجموعة الوطنية راضية الانفاق الكبير عليها، فتبوأت تونس صدارة البلدان انفاقا على التعليم، فوزارتنا هذه تضطلع الى جانب دورها الطبيعي في نشر التربية والتعليم بمهمات اقتصادية واجتماعية بامتياز وهي المشغل الاكبر ودون منازع في البلد وهي المقصد الاول والامل الاكبر لابنائنا وبناتنا اصحاب وصاحبات الشهائد حتى وان كانت طريقة الانتدابات تثير الكثير من الكلام وقلما نجد من يذكرها بخير.
يبدو ان الوزارة اصبحت تبحث عن اشكال جديدة للتشغيل تضمن لها المرونة المطلقة وتخوّل لها التعامل مع الموارد البشرية وفق معايير التشغيل الهش الذي يقوم على العقود وكأني بها تتخلى عن الاشكال القانونية للشغل الى جانب تعمّدها اضعاف النقابات ولعل طرد الثلاثة اساتذة المتعاونين ونقلة اكثر من تسعين اخرين دون مراعاة ظروفهم الاجتماعية والعائلية يؤكد ما ذهبت اليه الى جانب تسليط عصا العقوبات على الذين يشاركون في التحركات النقابية، أفلا يتنزل الحق النقابي ضمن منظومة حقوق الانسان والحريات العامة ويرتقي الى مستوى الحقوق الدستورية مثل حرية التعبير والصحافة والتنظيم؟
ان هذه الحقوق لا يمكن ان تمارس الا في مناخ يتسم باحترام هذه الحقوق، فأي فضاء أرحب ويلائم هذه الحقوق غير فضاءات وزارة المعرفة؟
المتعارف عليه ان الادارة الديمقراطية تتوافق وتتفهم اوضاع منخرطيها فتساعد على تحسينها وبذلك تكون في علاقة تواصل جيّدة واما الادارة غير المتعاونة والمتصلبة فهي لا تترددفي الغاء ممثلي الاجراء والعمل على اضعافهم بشتى الطرق وشدهم الى الوراء وبذلك تسدّ آفاق الحوار والوصول الى التفاهم ويصعب فيها العمل النقابي ان لم يصبح مستحيلا، ودون التسرع في اصدار الاحكام فان الموضوعية تقتضي النظرفي سير العلاقة بين الجانبين الاداري والنقابي، ودون الدخول في التفاصيل، نقول ان هذه العلاقة تتسم في عمومها بضعف التعاون الناجع بين الطرفين وهو امر غير طبيعي بالمرة في وزارة مثل وزارة التربية والتكوين.
ان تقف الوزارة غير مبالية وكأنها لم تسمع ما يحدث بالقرب منها وعلى مرمى حجر، ثلاثة اساتذة يضربون عن الطعام عشرات الايام حتى قاربت اجسادهم الانهيار وذلك من اجل حق العودة الى عملهم فما ضرّ الوزارة لو ارجعتهم الى سالف عملهم؟ فما المانع من ذلك؟
فان كان المانع مادي له علاقة بميزانية الوزارة فالحسم المالي الذي تكون مصالح الوزارة قد نفذته في أجور رجال ونساء اساتذة التعليم الثانوي على اثر اضرابهم الاخير يومي (16 و17 جانفي 2008)، وبعملية حسابية بسيطة يكفي لتشغيل محمد وعلي ومعز على مدى مسيرتهم المهنية المقبلة حتى وان كانت نسبة الاضراب لم تتجاوز الـ 25!.
واما اذا كانت هناك اسباب اخرى غير الاسباب الماديّة التي ذكرناها فمهما كان نوع هذه الاسباب فيصعب على وزارة التربية والتكوين ادانة هذه التحركات او التقليل من شأنها فتحرك قطاع التعليم الثانوي (بطم طميمه) مساندا بقطاع التعليم الابتدائي وقد وضع رجاله ونساؤه الشارة الحمراء في في اليوم الثاني من الاضراب فتلك التحركات وذلك التضامن، ليس بالامر الاعتباطي، ما كان ليحدث لولا عدالة القضيّة.

بقلم / م/ قرّاوي

ليست هناك تعليقات: